نجلاء أشرف تكتب: و”أني أحبك حتى التعب” في مقابل ”ضرب الحبيب زي أكل الزبيب”
الأكثر مشاهدة
ضمور القلب بمرور السنوات يكون بسبب كلمة، وإشراق العيون ولمعانها بعد ضيق وتعب شديد يكون بسبب كلمة، كلمة قد تُحيي نفس وقد تُميتها ببطء لذلك نحاول أن نزيل الأتربة عن قلوب أعيتها الحياة ببعض الكلمات التي قد تكون دواء للبعض أو مجرد نسمة عابرة تطمئن القلب وتربت على الكتف وتقول لكِ اطمئني كل شيء سيمر ولكن طريقة مروره على قلبك هي التي ستحدد ما ستفعلينه بعد ذلك.
كثير من المطالبين بالمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة يختلط عليهم الأمر بين حقوق وواجبات المرأة. فكما أن لها حقوق يجب أن تصان كالكرامة والحرية فلها واجبات أيضًا يجب أن تؤديها أهمها -في وجهة نظري- هي التربية التي تشكل شخص سوي أو شخص مريض وبمعنى أدق رجل سوي حنون أو رجل جاف أحمق. ليس معنى ذلك أن شخصية الرجل غير السوية معتمدة بشكل كُلي على المرأة فقد تقود ظروف مجتمعية ونفسية لفساد شخصية الرجل رغمًا عن الأم.
عنف بلا قيد
لم أتخيل يوماً أن تتخلل ثقافة العنف المستويات الاجتماعية الراقية كما اخترقت من قبل الأحياء الشعبية وتحولت لتقليد بغيض يجوب أنحائها، لذلك سأحاول صياغة الأمر بصورة توضح مدى قبح المشهد.
أجد شبهًا كبيرًا بين المرأة والورد البلدي... كلاهما جميل وكلاهما يُزهر في ظل وجود الضوء والاهتمام ويذبل من الإهمال وسوء المعاملة. الورد مخلوق رقيق كل من يراه يسعد برؤيته ويبقى بداخله جزء من جماله، من الناس من يكتفي بشم عطره ويمضي لسبيله ومنهم من يقطفه ويتركه يذبل في الظل. لا أجد الكلمات التي تصف مدى حبي للورود كما لا أجد كلمات تجد مدى خنقي لمن يقتلها بسوء معاملته...
الزواج مشاركة أم عقد من طرف واحد؟
أجد فارقًا عظيمًا بين السيدة التي وجدت من يشاركها حياتها بكل تفاصيلها ومن دفنت نفسها بورقة تسمى "عقد زواج"، تخلى فيها الطرف الأول عن الطرف الثاني وقرر أنه سيكون الممول المال لمشروع الزواج، وسيخرج نفسه من منظومة المشاركة بكل أنواعها سواء كانت الفكرية أو المعنوية وبالتالي التربوية. يكفي أنه سيمول هذا المشروع ليعتبر نفسه ناجحًا ويكفي أن يجد من تشاركه في حمل عبء تنفيذ المشروع وحدها. خاصة إذا كان من نصيبها أن يكون هذا الممول مختل أيضًا فيعنفها على فشلها في إدارة المشروع بمفردها أو يسلط فشله عليها ويعتبرها مجرد أداء شيء يفرغ فيها طاقة عجزه وبغضه للحياة بل واحتقاره لذاته... فيضربها ويهينها وينتقص من قدراتها...
المرأة التي تشعر أنها محبوبة تجدها متوهجة كنجمة متلئلئة وسط غيوم الحياة، تجد من تستند عليه وقت ضيقها وتكون له نور تزيل عنه أكدار الدنيا...
حين تٌحب بصدق
لا أجد أجمل من مقولة محمود درويش "وأني أحبك حتى التعب" لكي تصيغ بساطة وعمق العلاقة بين الشريكين، أعلم أن الحب الصادق لا نشعر فيه بمرارة التعب لأن الألم الجسدي تحتويه اللذة الروحية فلا تشعر به... أن تحب أحدًا وتتفانى في حبه حتى تتعب لتريحه... وتسهر لينال هو قسطًا من الراحة وتجتهد لتشعره بالأمان والثقة... مثلما كانت تتفانى دائمًا أمهاتنا لإسعادنا وتضحي بسعادتها من أجلنا، يتفانى من يريد أن ينجح علاقته بحبيبته ليسعدها، فيشاركها همها ويحمله عنها أو كما قال درويش :"وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي، وأختار أيّامنا بيديّ، كما اختار لي وردة المائدة"
قد تشاركها مذاكرة الأولاد أو دفعهم للنوم في المعاد، أو قد تطبخ يومًا في الأسبوع أو قد تغسل الصحون بعد أن تطبخ هي أو قد تستمع إلى ما المشكلة التي أرهقتها في العمل اليوم ويشدد من أزرها، أيًا ما كانت صيغة المشاركة التي تريحكما ستجدونها ليزهر بقلب كل واحد منكما الود والتفاهم والتقبل لأحتياجات الآخر.
فكما أن هناك سيدات فاضلات لا تعمل وتركز مجهودها على أسرتها، أغلب السيدات الآن يعملوا بجانب اهتماهم بأسرهم بل وينجحوا ويتميزوا في عملهم مع تركيزهم مع أسرتهم، فما لا يتوج هذا النجاح بالمشاركة، فبناءً على واقعنا لا تحتاج المرأة العاملة لرجل الأسرة لتسد كامل احتياجاتها المادية وأحيانًا المعنوية أيضًا. ولكن ما فائدة الزواج إذا لم يكن مشاركة وود وتقبل لضعف الآخر وسنده وإحتوائه. ناهيك أنها غير مكلفة بعمل احتياجات المنزل من طبخ ونظافة من الأساس ومن واجبات الزوج أن يوفر لها من يساعدها إذا نشأت على ذلك.
أعرف شخصًا لم ينجح زواجه الأول وكاد أن يفشل الثاني لولا أنه فهم أنه يجب أن يعطي كما يأخذ وفي ذكرى زواجه الأولى كتب ذلك لزوجته:" أتعلمين حبيبتي ذلك التعب العادي الذي نشعر به حين ينهكنا العمل وساعات المواصلات ومضايقات الناس في الشارع لا يُقارن بما أشعر به حين أراكي منهكة بين عملك واهتمامك بمنزلنا ومذاكرتك للأولاد... أرى في عينيك الإرهاق وحزن وكأني قد صببت أحماًلا ثقيلة على فتاة صغيرة الجسم شامخة الإرادة تدافع بكل قواتها لتثبت جدران أسرتها، وكأني خارج الصورة.. خارج المشهد وكأني أصبحت أنا أيضًا عبئًا عليكي له متطلبات ويساعد في جلب الأموال ولكنه قد يهدم هذه الفتاة الصغيرة إذا لم يكن بجوارها ويكن سندًا لها... لم أستطع أن أُكمل في دور الرجل الشرقي المتطلب وقررت أن أكون حبيبك فقط... الذي يحمل عنكِ أعباء روحك وأحمال جسدك... وأعتذر أني تركت وحدك كل تلك الفترة... بلا أنيس أو معين أو رفيق درب... سأحبك حتى التعب..."
على عكس من يقوده المرض ليقتل روح شريكته ويعنفها على إهمالها، فلنعترف بأن هذا العالم مليء بالمرضى النفسيين وبأننا من كثرة انخراطنا في واقع مريض قد شابتنا بعض أمراضه، ولكن هل هذا مبرر لأن نقتل من أحبونا بسوء تصرفاتنا...
عينان باهتتان وقلم روج
وقفت أمام صديقتي بعد أن ضمدت جراحها في يدها ورجليها والتي قد تحول بعضها لونهم للأرجواني والأزرق والبعض الآخر ما زال زهري أتأملها وهي تضع الروج الأحمر الغامق بعد أن حددت شفاها بلون أحمر أغمق من الروج، ثم تمسك بالـ (روجاجو) وتحاول أن تخفي الدائرة الحمراء المتورمة تحت عينها اليسرى بعد أن وضعت كريم الأساس ولم يأتي بنتيجة... لم تعد تشعر بمرارة الإهانة كأول مرة ضربها فيها... لم تكن فعلت أي شيء يستدعي رد فعل عنيف كهذا فلم تقل له سوى لماذا تأخرت هكذا؟ فلم تشعر بنفسها سوى ثاني يوم وهي مُلقاة على الأرض والكدمات قد حولتها لكائن قرمذي يشوبه بعض الجلد الأسمر، مسحت دمعتها الساخنة لتكمل استعدادها لحفل الليلة فلا تستطيع أن تتأخر وإلا ستكون ليلة مميتة كالبارحة...
أرتدت فستانها الأسود الذي يحبه ثم وضعت عطر channel الذي يذكره بليلة تعرفه بها، في كافيه جركو ثم وضعت الحلق الألماس الذي أشتراه لها في عيد زواجهم الثالث وبعد أن تعود أن يضربها ثم يعود يبكي ويستسمحها في البقاء... فتنظر إليه بشفقة وترضى...
لا أعلم لما هي مستمرة معه إلى الآن، لما لا تهرب... صحيح أنها كلما عادت لعائلتها تنهرها تارة وتصبرها تارة بكلام فارغ مثل أنه لا يوجد طلاق في العائلة وبأنه طالما يكفيها ماديًا فلا داعي للتذمر، وتارة أخرى يصبروها بأن "ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب" وبأنه لا يفعل ذلك إلا لأنه يحبها ويغار عليها...
يحيرني استسلامها أو ربما هي تخشى الفشل.... تخشى الوحدة.. تخشى لقب مطلقة... ربما.. ولكن ما لا تعلمه أنها تدفن نفسها بالحياة وأنها تحيى حياة الأموات الأحياء من فقدوا حياتهم مقابل أن يسعد الآخرون ويتعسوا هم...
وردة ذابلة
أظنها في قاموس الورد وردة ذابلة.. ماتت أوراقها ولم يبقى سوى دائرة بها بعض البذور قد تحملها الريح لأرض أخرى بعيدة إذا تحررت من أرضها وقد تدفن مع بقاياها المهملة في قصرية ورد لا تتلقى سوى الأتربة والضياع والجفاف...
حتى لا تنطفئي صديقتي
لا أعتبر نفسي من مفضلي الاستقلالية على هدم حياة أسرة، ولكن حين يتضرر طرف من سوء معاملة الآخر وتفنى سبل إصلاحه، لابد أن يأخذ الطرف الآخر قرار نهائي بالإنفصال والثبات عليه. وللأسف كثير من الفتيات خاصة في بداية حياتهن يخشون مثل هذا القرار. فأحببت أن أطمئنهم لأن الحياة لا تقف على تجربة واحدة أو على شخص واحد، الحياة لا تقتصر على رأي "طنط" فلانة أو علانة وما يعنيه لها قرار انفصالك. ستتحسن نفسية الأطفال في بيئة صحية بدون خلاف. وبالتأكيد ستهتمي بهم وبنفسك أكثر بعد أن تتخلصي من شخص قتل فيكي النور ولم يترك سوى روح مهترئة ترجو التجدد.
فتجددي وأنتعشي، وقاومي أحزانك بفعل ما تحبيه، أرقصي وغني وتعلمي أشياء جديدة. أعملي في مجال مختلف أو تطوري في مجال عملك. أكتبي أكبر مخاوفك وتغلبي عليها واحدة تلو الآخرى. حبي كل ما تريه يستحق أن يحب. ولا ترضي بأقل من شخص يحبك لدرجة أنه يتحمل عنك التعب.
وفلتحرري...
تحرري من أوهامك وأحزانك وذكرياتك المؤلمة لكي تبدأي بداية جديدة. كان لابد أن تتعثر خطاكي في بعض البدايات الخاطئة لكي تقوي جدران قلبك وتدفعك للأمام بروح مغامر لا يخشى أي شيء بل ويستمتع بكل لحظة كأنها لحظته الأخيرة.
الكاتب
نجلاء اشرف
الثلاثاء ٢٢ نوفمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا